الام والطفلة الضائعة
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
قفي ، لا تغربي ، يا شمس ، ما يأتي مع الليلِ
سوى الموتى . فمن ذا يُرجع الغائب للأهلِ
إذا ما سدّت الظلماء
دروباً أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
و إن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه ، مما لاذ بالظلِّ
من الهمسات و الأصداء .
شعاعك مثل خيط اللابرنث ، يشدّه الحب
إلى قلب ابنتي من باب داري ، من جراحاتي
و آهاتي .
مضى أزلٌ من الأعوام : آلاف من الأقمار ، و القلب
يعد خوافق الأنسام ، يحسب أنجم الليل ،
يعد حقائب الأطفال ، يبكي كلما عادوا
من الكتّاب و الحقل .
و يا مصباح قلبي ، يا عزائي في الملمات ،
منى روحي ، ابنتي : عودي إليَّ فها هو الزادُ
و هذا الماء . جوعي ؟ هاكِ من لحمي
طعاماً . آه !! عطشى أنت يا أمي ؟
فعبّي من دمي ماء و عودي .. كلهم عادوا .
كأنك برسفون تخطّفتها قبضة الوحش
و كانت أمها الولهى أقل ضنى و أوهاما
من الأم التي لم تدر أين مضيت !
في نعش ؟
على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكتِ ؟ هبّ الوحش أم ناما ؟
و حين تموت نار الليل ، حين يعسعس الوسن
على الأجفان ، حين يفتش القصّاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائبَ الصاري
و يخفت صوته الوهَنُ ،
يجن دمي إليك ، يحن ، يعصرني أسىََ ضارٍ .
مضت عشر من السنوات ، عشرة أدهر سود
مضى أزلٌ من السوات ، منذ وقفتُ في الباب
أنادي ، لا يردّ عليَّ إلا الريحُ في الغاب
تمزق صيحتي و تعيدها .. و الدرب مسدود
بما تتنفس الظلماءُ من سُمر و أعناب
و أنتِ كما يذوب النور في دوّامة الليل ،
كأنك قطرة الطلِّ
تشرِّبها التراب .. أكاد من فَرَقٍ و أوصابِ
أسائل كل ما في الليل من شبحٍ و من ظل ،
أسائل كلّ ما طفل :
" أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها ؟ أسمعت ممشاها ؟ "
و حين أسير في الزحمه
أصغِّر كل وجه في خيالي : كان جفناها
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة ،
و كان جبينها .. و أراك في أبد من الناس
موزّعة فآه لو أراكِ و أنت ملتمه !
و أنتِ الآن في سَحَر الشباب ، عصيره القاسي
يغلغل في عروقك ، ينهش النهدين و الثغرا
و ينشر حولك العطرا ،
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمه
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوه !
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوه
و فيه الجوع و الآلام ، فيه الفقر و الداء .
أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك ، فهي فمُ
يُريد الزاد ، يبحث عنه و الطرقات ظلماء ؟
أحدِّق في وجوه السائلات أحالها السقمُ
و لوّنها الطوى ، فأراك فيها ، أبصر الأيدي
تُمَدّ ، أحسّ أن يدي .. يدي معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار و هي كأنهن أدارها صنمُ
تجمَّد في مدى عينيه أدعيةُُ و سال دم
فأصرخ "في سبيل اللّه " تخنق صوتي الدمعه
بخيط الملح و الماء .
و أنت على فمي لوعه
و في قلبي ، و ضوء شع ثم خبا يلا رجعه
و خلّفني أفتش عنه بين دجى و أصداءِ
منقول